حقيقة الحب في شاعرية الأستاذ / علي المعشي.

سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

حقيقة الحب في شاعرية الأستاذ / علي المعشي.

قراءة انطباعية قدمها الناقد يحيى معيدي لقصيدة ( الهوى العذري )

............................

ذكرتُ الهوى العذريَّ فيما أُكاتبُهْ وقد كنتُ مفتوناً بظبيٍ ألاعبهْ

أسابقه ما شاء في طرق الهوى أشاغبه حيناً وحيناً أداعبهْ

فنذكرُ أياماً توهَّجَ حبُّنَا وموضعَ شوقٍ هيجتنْا رغائبهْ

مشاعرُ بعض الوصلِ وصلٌ لبعضِنا ببوحٍ رقيق الصوت عذبٍ نواكبُهْ

على بعضها تحنو القلوبُ شواهداً وينداح منها الحب طابت مشاربهْ

فلله من حبٍّ ترقرق نابضاً فلا البعدُ يقصيهِ ولا هو غالبهْ

يذيقُ قلوب العاشقين هناءَها وتصعد بالحب النبيل مراكبُهْ

أيا ظبيُ مهلاً لن تذوب مودتي يجاذبني فيك الهوى وأجاذبهْ

حبيبان لا نبغي الفراق وإنما على القلب إن لاح الخصام نحاربهْ

.........................

هاجس الشاعر مستلهم من روحه السائرة في آفاق الموهبة والخيال.

وكذلك هاجس كل شاعر هو ناتجٌ عن تجليات الروح وأمانيها وخواطرها.

يبدأ الشاعر نصه بالفعل الماضي ( ذكرت) ويسنده لضمير المتكلم ( التاء) ، وكأنه يوجه السامع والقارئ بدءا أنّ ما سيدور في النص من هوى وعشق فإنه يخصه هو ومحبوبه.

والشاعر هنا يقيّد الهوى بأنه الهوى العذري ؛ ليبعث فيه الذكرى الفاتنة من خلال قصة عشقه ظبيه المعهود ، حيث كان معه يلاعبه كل لحظاته.

ورغم أن الحديث جاء بالماضي ( كان) إلا أن الشاعر يخرج عن ذلك الوقت ؛ ليعبر بمضارع الحال ( ألاعبه) وهو هنا يجسد صورة ماضية تصور ملاعبتهما.

والشاعر في صوره يستلهم ويذكر حبه وهواه الذي مازال مرسوما على جواه.

وقد قيل عن الحب : ( إنه ذكاء المسافة )

ذكاء المسافة بين كل محب وحبيب.

فمن ابتعد قليلا سيجذبه الاقتراب وكذلك العكس.

ثم يذكر الشاعر شريحة أخرى من علاقته بذلك الظبي غير الملاعبة ، وهي المسابقة ، وكذلك المشاغبة ، والمداعبة من حين لآخر.

والجميل أن الشاعر طوْعُ محبوبه متى ما طلب منه ، ومتى ما شاء. فهو لايخرج عن دائرة طلباته.

وقد أكّد الشاعر ذلك الحال بصيغة المشاركة في الأفعال التي أوردها ، فهي على صيغة ( أُفاعِلُه) وليس الشاعر وحده من يذكر ذلك الهوى والعشق العتيق ، بل حبيبه معه في الاستذكار. وهو ما جاء في البيت الثالث حيث ورد التعبير بالجمع ( نذكر) وهو ما يدل على عمق الارتباط بينهما وطول مدته.

فكلما التقيا وتبادلا الحديث أو التجاذبات الدعابية استذكرا هواهما الأول.

والشاعر يربط بين زمان ذلك الحب ومكانه فيقول :

نذكر أياما... وهذا للزمان.

وموضع شوق... وهذا للمكان.

وليس الزمان والمكان هما المحتوى لشجن الشاعر وبوحه الرقيق، بل جعل المشاعر - هي أيضا - مساحة لذلك الهوى ، ولكنها مقيّدة ببعض الوصل وليس جميعه في حين أنه يكتفي بذلك الوصل ويراه تامّا.

وهناك مكان آخر -أيضا- وهو القلب. فهو يقول:

على بعضها تحنو القلوب شواهدا.

وهي صفة تبين تجاذب الشعور والحنان بينهما في حال كونهما حاضرين، إذ لا فائدة من المعنى لو كانا في حال الغياب.

وفي الأبيات الأخيرة من قوله :

فلله من حب... إلى نهاية النص...

نراه يبين قيمة ذلك الحب ويصفه بأنه مترقرق نابض فلايقصيه بعد.

فهو حبٌّ يكسب أصحابه الهناء ، وهو حبٌّ نبيل في نوعه.

ثم يعود لخطاب حبيبه شبيه الظبي ويبين له قوة تلك الصلة بينهما من حيث العلاقة والعشق.

ويبدو أن هاجس الشاعر منذ بداية الفكرة كان متلبّسا بصفة الحبّ ، وهو ما جاء كثيرا بتكرار تلك اللفظة.

فلفظة الحب تأتي في أربع مفردات.

أما العشق فمرة واحدة في قوله : ( العاشقين).

أما الهوى فقد جاء ثلاث مرات بالنص.

وهنا نجد أن الهاجس مُستلهِمٌ في فكرته ذلك الحبَّ والهوى المشار إليه بدءا في المطلع.

مفردات الشاعر عذبة ورقيقة ودلالية ومعبّرة في الوقت نفسه ، وقد انتقاها تبعا لفكرة النص.

وكانت على نطاق الاسم والفعل في تراكيب مختلفة ودلالات وصور متنوعة.

وجاءت الأفعال دلالية حركية في كثير منها كقوله :

( أكاتبه ، ألاعبه ،أسابقه، أشاغبه، نواكبه) وغير ذلك.

وهناك جانب لم يغفله الشاعر ، وهو الجانب اللفظي الصوتي في النص، وقد ورد في مفرادت قليلة ولم يتوسع الشاعر فيه كقوله:

ببوح رقيق الصوت عذب نواكبه.

وغلب على نص الشاعر الأسلوب الخبري إلا في قوله :

أياظبي

فقد جاء بأسلوب الإنشاء ( النداء).

وانسجم النص بالتناص مع قصيدة بشار بن برد ( جَفا وِدهُ فازورَّ أَو ملَّ صاحِبُه)

ومنها :

إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه ؟!

والتناص في الوزن والقافية.

لم يحفل الشاعر بالتصوير المغرق كثيرا فقد جاء النص سهلا قريبا في معانيه وصوره.

وأجاد الشاعر في نبرات النسق الشعري خلال نصه سواء في الحشو أو القافية.

عاطفة الشاعر جياشة ؛ لأنه في مقام المستلهم المستذكر الغارق في دائرة هواه العذري.

تحية للشاعر الجميل.


جمعه الخياط جمعه الخياط
المدير العام

مدير الدعم الفني

0  207 0

آخر المعجبين بالخبر

التعليقات


اكتب تعليقك هنا

اخبار مشابهة

اخبار مقترحة