منذ 10 ساعة 0 549 0
الزهراني يكتب: ظلمتُ نفسي كثيرًا في سبيل إسعادهم، ولم أجني منهم سوى الوجع…
الزهراني يكتب: ظلمتُ نفسي كثيرًا في سبيل إسعادهم، ولم أجني منهم سوى الوجع…

ظلمتُ نفسي كثيرًا في سبيل إسعادهم، ولم أجني منهم سوى الوجع…

 

الكاتب/ خضران الزهراني 

 

لا أدري من أين أبدأ…

من طفولتي حيث كنت أمد يدي لكل محتاج، وأبتسم لكل عابرٍ حتى قبل أن يتلفظ بكلمة شكر؟

أم من تلك الأيام التي كنت فيها ذلك الشاب الذي يظن أن العالم يُبنى بالقلوب البيضاء فقط، دون أن يعرف أن الأبيض أحيانًا لا يعني الطهارة عند الجميع؟

 

كبرتُ وأنا أؤمن أن إسعاد الآخرين سعادة، وأن العطاء دون انتظار مقابل بطولة.

كنت أعتقد أن التضحية تعني المحبة، وأن كل ما أبذله من جهد وصبر ووقت سيعود لي ذات يوم، أضعافًا مضاعفة، على هيئة حب أو وفاء أو حتى مجرد كلمة تقدير.

 

وكم كنت مخطئًا…

مضيتُ أعطي وأعطي…

أصنع من وقتي جسورًا يعبرونها وقت احتياجهم، وأهدم راحتي لأبني لهم طمأنينة، وأتظاهر بالقوة بينما أنا أنكسر آلاف المرات بصمت، فقط كي لا يشعروا أنني متعب.

 

مرت سنوات، وأنا أقنع نفسي أن الخير لا يضيع، وأن كل ألم صامت سأجني من بعده سعادة خالصة.

لكن الحقيقة؟

كل ما جنيته كان الخذلان.

لم يأتِ أحد. لم يسأل أحد. لم يُكافئني أحد.

بل إن بعضهم وجد راحته في إيذائي، كأنني خُلقت فقط لأكون محطةً عابرة في حياتهم.

 

تعلمت بالطريقة الأقسى أن أكثر من أحببتهم، هم أكثر من علمني أن الحب إذا لم يكن متوازنًا، يصبح خنجرًا مغروسًا في خاصرة الكرامة.

 

أذكر جيدًا ذلك اليوم…

يوم وقفتُ وسط الزحام وحيدًا، بلا سند، بلا كتف أميل عليه.

يوم أدركت فجأة أنني كنت أقاتل وحدي، في معركة لم يعرفوا يومًا قيمتها.

ذلك الشعور، حين تتجمد الحياة في عروقك، ويتحول دفء الذكريات إلى جليدٍ، لا يذوب حتى بدموعك الساخنة.

 

جلست مع نفسي في ليلة باردة، وكانت أول مرة أتحدث بصدق داخلي:

“كفى يا نفسي… كفى عبثًا، كفى تضحية في طرق لا عودة منها.”

 

كان اعترافًا مرًا، لكنه ضروري.

اعترفت أنني ظلمت نفسي كثيرًا، وخذلتها أكثر من أي شخص آخر.

أنني كنت أقتل أحلامي بيدي، فقط لأبني أحلام غيري.

أنني كنت أكسر ذاتي، فقط لأرمم انكسارات الآخرين.

 

ومن تلك اللحظة، لم أعد كما كنت…

ولدت من رحم الألم نسخة جديدة مني:

شاب يعرف جيدًا قيمة نفسه، لا يسمح لخيبات الآخرين أن تسكن قلبه، ولا يجعل مروءته بوابة مفتوحة للمارين العابرين.

 

تعلمت أن أضع حدودًا لا يتجاوزها أحد.

تعلمت أن الكرامة ليست رفاهية، بل ضرورة للبقاء حيًا بروحٍ سليمة.

تعلمت أن أختار من يستحق أن يدخل عالمي، وأغلق أبواب قلبي دون خوف أو تردد.

 

واليوم، حين أعود بذاكرتي إلى كل الذين أخذوا مني ومضوا، لا أحمل في قلبي حقدًا، ولا أرجو لهم الشر.

فقط أنظر إلى الطريق أمامي بثبات، وأعلم أن كل خذلان دفعني خطوة نحو وعيٍ أكبر، ونحو حب أعظم لنفسي.

 

اليوم، أبتسم بثقة رجلٍ عرف قيمته بعد طول ضياع.

رجل لم يعد يركض خلف أحد، بل يجعل نفسه مقصدًا لا مطاردة.

رجل يؤمن أن الكرامة فوق كل شيء، وأن العطاء لا يكون إلا لمن يستحقه، لا لمن يستنزفه.

 

يا نفسي…

أعتذر لك عن كل ليلة ظلمتك فيها.

أعتذر عن كل مرة بكيتِ فيها بسببي.

أعدك…

أن تكوني الأولى دائمًا.

أن أحملك بيدي، وأحميك من كل من لا يعرف قدرك.

أن أصنع لك مستقبلًا لا يهدمه خذلان، ولا تلوثه خيبة.

 

ولمن خذلني يومًا؟

أقول:

شكرًا… لأنكم علمتموني أن لا أكون إلا لنفسي، أن أكون سندي، أن أكون قوتي.

 

اليوم أبدأ من جديد،

بيدٍ أقوى، وقلبٍ أنقى، ونفسٍ تعرف جيدًا أنها، مهما جار عليها الزمان، تظل أعز ما أملك.

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر
ظلمتُ نفسي كثيرًا في سبيل إسعادهم، ولم أجني منهم سوى الوجع… الكاتب/ خضران الزهراني

محرر المحتوى

جمعه الخياط
المدير العام
مدير الدعم الفني

شارك وارسل تعليق

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من إرسال تعليقك