الأحد, 26 أكتوبر 2025 09:16 صباحًا 0 643 0
العمل الإعلامي بين الأنسنة والإبداع والذكاء الاصطناعي
العمل الإعلامي بين الأنسنة والإبداع والذكاء الاصطناعي

العمل الإعلامي بين الأنسنة والإبداع والذكاء الاصطناعي

 

الكاتب / ماجد السريحي

باحث في الإعلام والاتصال المؤسسي 

 

 

منذ عام 2011م، أطلقت اليونسكو والأمم المتحدة أسبوع الدراية الإعلامية والمعلوماتية ليكون مساحة عالمية لتعزيز الوعي الإعلامي، وبناء مجتمعاتٍ تمتلك القدرة على التحقق من المعلومة وتحليلها واستخدامها بمسؤولية.

وتشارك فيه أكثر من 150 دولة سنويًا، فيما سجّل عام 2024م أكثر من 1200 فعالية رقمية حول العالم، بحسب تقرير اليونسكو للإعلام والمعلومات.

ويأتي شعار هذا العام 2025م:

 

> ???? «الحدود الرقمية الجديدة للمعلومات: الدراية الإعلامية والمعلوماتية من أجل المصلحة العامة»

 

ليؤكد أن التحول الرقمي لا يكتمل دون وعي إنساني يوجهه، وأن التقنية مهما تطوّرت تظل أداة تحتاج إلى قيمٍ تضبط استخدامها.

 

 الأنسنة الإعلامية… الإنسان أولًا

 

في زمنٍ تتسارع فيه “الترندات” وتحتدم فيه المنافسة على الانتشار، تذكّرنا الأنسنة الإعلامية بأن وراء كل خبر إنسان، وأن القصص الإنسانية هي ما يمنح الإعلام صدقيته.

وقد برز ذلك في التغطية السعودية لموسم حج 1445هـ، حين نقلت الكاميرات مشاعر الحجاج لا أرقامهم، فظهر الحاج المسن الذي بكى شكرًا لله، والمتطوع الذي قدّم الماء في مشعر عرفات، والطبيب الذي ترك إجازته ليخدم ضيوف الرحمن.

هذه القصص لم تكن مجرد مواد إعلامية، بل رسائل إنسانية حيّة.

 

محليًا، أكدت هيئة تنظيم الإعلام في تقريرها السنوي (2024م) أن 83٪ من الجمهور السعودي يثقون بالمحتوى الذي يركّز على القيم الإنسانية والتطوع والخدمة العامة، ما يعكس أثر الأنسنة في بناء الثقة.

وعالميًا، استخدمت شبكة CNN نهج “القصص الإنسانية” خلال جائحة كورونا، ما رفع التفاعل مع تقاريرها الصحية بنسبة 42٪ وفق إحصاءات NiemanLab.

وتُظهر دراسة جامعة أكسفورد (2024م) أن 68٪ من المتابعين يفضّلون المحتوى الإنساني على التحليل الآلي البارد — دلالة على أن الخوارزميات قد تُتقن الحساب، لكنها لا تُتقن الإحساس.

 

 الإبداع الإعلامي… الجسر بين الفكرة والتقنية

 

الإبداع هو الخط الفاصل بين الإعلامي والآلة.

لقد فتحت أدوات الذكاء الاصطناعي آفاقًا واسعة في التحرير والتحليل، لكن الفكرة المُلهمة تبقى من صنع الإنسان.

في السعودية، برزت حملات هيئة تنظيم الإعلام مثل «اعرف قبل أن تشارك» ومبادرات مركز التواصل الحكومي للإعلام الإبداعي، التي دمجت التقنية بالوعي المجتمعي، وحققت أكثر من 120 مليون مشاهدة في عام واحد، وفق تقرير مركز التواصل الحكومي 2024م.

كما ساهمت هذه الحملات في خفض تداول الشائعات بنسبة 37٪ على المنصات الإجتماعية، بحسب هيئة تنظيم الإعلام.

 

أما على الصعيد الدولي، فقد وظّفت BBC الذكاء الإصطناعي في مشروعها Local News AI لتغطية أكثر من 250 منطقة بريطانية صغيرة، مع بقاء المراجعة البشرية شرطًا أساسيًا قبل النشر.

وفي المقابل، أثبتت تجارب في بعض المؤسسات الأمريكية أن الإعتماد الكامل على المحتوى التوليدي زاد الأخطاء التحريرية بنسبة 21٪ (Statista, 2025).

وهو ما يوضح أن الإبتكار الحقيقي لا يُقاس بعدد الأدوات، بل بكيفية توظيفها لخدمة الحقيقة.

 

 النموذج السعودي… الريادة بين التقنية والهوية.

 

تقدّم المملكة اليوم نموذجًا متوازنًا يجمع بين التحوّل الرقمي والأنسنة المهنية في إعلامها الوطني.

فقد وظّفت قناة الإخبارية السعودية الذكاء الإصطناعي في التحليل والترجمة اللحظية دون المساس بالمصداقية أو حضور المذيع، ما زاد نسبة تفاعل الجمهور الرقمي بنسبة 28٪ عام 2024م.

كما دشّنت وكالة الأنباء السعودية (واس) منصاتها متعددة اللغات في أكثر من 12 لغة، مدعومة بخدمات ذكاء اصطناعي لتحليل البيانات الخبرية وتحديد اتجاهات التفاعل الإعلامي بدقة تفوق 90٪.

 

أما تجربة «معسكر الإبتكار الإعلامي السعودي (SAUDI MIB)»، الذي أطلقته وزارة الإعلام بالتعاون مع الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الإصطناعي (سدايا)، فتمثل نقلة نوعية في صناعة محتوى يعتمد على حلول الذكاء الإصطناعي في مجالات التحرير والتسويق الرقمي.

وقد قدّم المعسكر خلال عامه الأول أكثر من 45 مشروعًا إعلاميًا مبتكرًا، يسعى لتطوير بيئة إعلامية سعودية قادرة على المنافسة عالميًا.

وعلى المستوى الدولي، تبنّت اليونسكو مبادرة “AI for Public Good” عام 2024، والتي تهدف لتوظيف الذكاء الإصطناعي في الإعلام لخدمة التنمية والشفافية، وتشارك فيها أكثر من 70 دولة حول العالم.

 

ختاما العمل الإعلامي في عصر الذكاء الإصطناعي ليس صراعًا بين الإنسان والآلة، بل تحالفٌ متكامل بين الوعي والتقنية.

فحين تمتزج الأنسنة بالإبداع، وتُحكم التقنية بالحوكمة، يتحوّل الإعلام من وسيلة إلى قوة وعي تخدم المصلحة العامة قوة توازن بين المعلومة والمعنى، بين السرعة والمصداقية، وبين التقنية والإنسان الذي يروي قصته.

 

 

 ساحل الحرف

> حين تتحدث السعودية، لا يسمعها العالم فحسب، بل يشعر بها؛ فكل رسالةٍ إعلامية تنبض بروحها وتتكئ على تقنيتها، تجمع بين الأصالة والإبتكار، وبين دفء الإنسان وذكاء الآلة.

فإعلامها الحديث لا يكتفي بنقل الحقيقة، بل يصوغها بلغةٍ رقميةٍ راقية، تُعبّر عن وطنٍ جعل من التقنية وسيلةً للوعي، ومن الإعلام جسرًا للتأثير الحضاري.

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر
العمل الإعلامي بين الأنسنة والإبداع والذكاء الاصطناعي

محرر المحتوى

جمعه الخياط
المدير العام
مدير الدعم الفني

شارك وارسل تعليق

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من إرسال تعليقك

آراء الكاتب