الجمعة, 07 مارس 2025 03:23 مساءً 0 640 0
عيد الرفاعي : المتاجرون بالدين أقنعة زائفة وأفعال تناقض الأقوال
عيد الرفاعي : المتاجرون بالدين أقنعة زائفة وأفعال تناقض الأقوال

المتاجرون بالدين: أقنعة زائفة وأفعال تناقض الأقوال

 

بقلم: عيد راشد الرفاعي

 

في زمننا هذا، انتشرت ظاهرة خطيرة تتمثل في استغلال الدين لأغراض شخصية بحتة، حيث نرى أشخاصًا يتسترون وراء الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، يرفعون شعارات التقوى والورع، ولكن أفعالهم تكشف زيفهم وخداعهم. فهم يتخذون من الدين وسيلة لجمع المال واستعطاف الناس، يدّعون الحاجة والضيق، ويتقنون فنون التأثير العاطفي عبر ذكر الأدعية والمواعظ، ولكن عند الاختبار الحقيقي، تجد قلوبهم أقسى من الحجر، لا يعطون المحتاج، ولا يقفون مع المعسر، وكأنما إحسانهم مخصص فقط لمصالحهم الشخصية.

 

هؤلاء الذين يرفعون راية الدين كستار لتحقيق مكاسب دنيوية هم أخطر على المجتمع من الفاسدين الظاهرين، لأنهم يسيئون إلى الدين نفسه، ويشوهون صورته النقية أمام الناس. فالإسلام لم يكن يومًا أداة للتكسب غير المشروع، ولم يكن وسيلة لاستدرار العواطف وجمع الأموال باسم الإحسان، بينما أصحابها يغلقون أبوابهم في وجه من يحتاجهم حقًا.

 

حقيقة الإحسان في الإسلام

 

إن الصدقة في الإسلام لها أجر عظيم، وهي ليست مجرد كلمات أو خطب، بل أفعال يثبت بها الإنسان صدقه وإيمانه. قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾ (التوبة: 60)، فهل من العدل أن نجد من يدّعي التدين لكنه يبخل حتى باليسير على من يطرق بابه مستغيثًا؟ أين هم من قوله صلى الله عليه وسلم: "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" (رواه مسلم)؟

 

ازدواجية في المعايير

 

المفارقة العجيبة أن بعض هؤلاء الأشخاص يبكون تأثرًا عند سماع الآيات عن الصدقة والإنفاق، لكنهم عندما يرون فقيرًا يطلب العون، يتجاهلونه وكأنهم لم يسمعوا شيئًا عن فضل العطاء. يوزعون المواعظ في المجالس، ولكنهم أول من يصدّ وجهه عن المحتاج.

 

إن هذه الازدواجية تفضح حقيقتهم، وتجعلنا ندرك أن الدين عندهم ليس إلا وسيلة لتحقيق المصالح الشخصية. ولو كانوا صادقين في تدينهم، لكانوا أول من يمد يد العون للمحتاج، بدلًا من أن يكونوا ممن قال الله عنهم: ﴿يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾ (آل عمران: 167).

 

المتاجرون بالأوقاف والأعمال الخيرية

 

لا يقف استغلال هؤلاء عند حدود التسول باسم الدين، بل تجدهم يتواجدون عند المشاريع الخيرية، وخاصة عند توزيع الأوقاف وبناء المساجد والمدارس القرآنية. تجدهم حول هذه المناطق، ليس بدافع الخير، وإنما للتكسب والربح.

 

يستغلون هذه المشاريع الخيرية بطرق ملتوية؛ يأخذون المباني الوقفية، ويجعلونها تحت إدارتهم، ثم يسلمونها لمقاولين بمبالغ ضخمة، بحيث يستفيدون من فرق الأسعار، أو يكونون هم أنفسهم المقاولين، فيحققون أرباحًا طائلة تحت غطاء العمل الخيري.

 

ترى أحدهم يقول: "نبني وقفًا لحفظ القرآن"، أو "نقيم مشروعًا خيريًا لإصلاح الأجهزة"، لكنه في الحقيقة لا يسعى إلا لمصلحته الشخصية. وبذلك، تتحول النية من خدمة المجتمع إلى خدمة الحسابات البنكية، ويصبح الوقف الذي يُفترض أن يكون في سبيل الله مجرد وسيلة لجني الأرباح.

 

المتاجرون بعتق الرقاب: مزايدات واستغلال للمشاعر

 

ولا يقف الأمر عند ذلك، بل تجدهم أيضًا في حملات "عتق الرقاب"، حيث يتحركون بين المجالس والأسواق، يتجولون في المنتديات وعلى مواقع التواصل، يدعون الناس إلى التبرع لجمع دية لأحد المحكوم عليهم بالقصاص، وكأنهم شيوخ الرحمة ومفاتيح الخير.

 

لكن الحقيقة أن بعضهم جعلوا من هذا العمل الإنساني تجارة مربحة، فبدلًا من أن تُصرف الأموال بشفافية ووضوح، يدخلون فيها وسطاء وسماسرة يحددون المبالغ ويتفاوضون على النسب، حتى أصبح الأمر في بعض الأحيان أقرب إلى الصفقات التجارية منه إلى عمل خيري خالص.

 

تراهم يبالغون في تقدير المبالغ المطلوبة، وينسجون قصصًا درامية لاستدرار العواطف، ثم تجدهم أول المستفيدين من هذه الأموال، حيث تُدار بعض هذه الحملات وكأنها مشاريع استثمارية، تعود أرباحها على القائمين عليها أكثر من أصحاب الحاجة الحقيقيين.

الإعلانات والاستغلال عبر وسائل التواصل

لم يكتفِ هؤلاء بالتلاعب في المشاريع الخيرية، بل انتقلوا إلى مستوى آخر من الاستغلال، وهو استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لجذب التبرعات والإعلانات بأساليب خادعة. تجدهم يدفعون مبالغ خيالية للمعلنين في السوشيال ميديا، يطلبون منهم الترويج لحملاتهم تحت عناوين براقة مثل: "ساهم في هذا الخير وستكسب الأجر"، أو "شارك في هذا المشروع المبارك".

بل وصل الأمر ببعضهم إلى توزيع إعلانات جاهزة على المشاهير والمؤثرين قائلين لهم: "انشر هذا الإعلان ونحن نُبرئ ذمتك، لا علاقة لك بمصير الأموال"، وكأن المسؤولية الشرعية والأخلاقية يمكن التنازل عنها بجرة قلم! بهذه الطريقة، يُسخّرون نفوذ المشاهير لنشر حملاتهم دون أي شفافية في مصادر الأموال أو كيفية توزيعها، مما يفتح الباب للتلاعب والتربح تحت مظلة العمل الخيري.

الخاتمة: الدين سلوك وليس تجارة

الفرق بين الصادق والمتاجر بالدين واضح جدًا؛ فالأول تتحدث أفعاله قبل كلماته، والآخر يتحدث كثيرًا لكن أفعاله لا تصدقه. ولذلك، علينا أن نكون حذرين ممن يرفعون راية الدين ويكثرون من ذكر الآيات والأدعية، لكنهم لا يعرفون للرحمة طريقًا. فالدين ليس كلمات جوفاء، بل هو عمل، وإحسان، ورحمة.

 

نسأل الله أن يهدينا إلى الصدق في القول والعمل، وأن يجعلنا من الذين ينفقون ابتغاء وجهه الكريم، لا رياءً ولا سمعة.

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر
عيد الرفاعي : المتاجرون بالدين أقنعة زائفة وأفعال تناقض الأقوال

محرر المحتوى

جمعه الخياط
المدير العام
مدير الدعم الفني

شارك وارسل تعليق

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من إرسال تعليقك

أخبار مقترحة

آراء الكاتب