الكذبة البيضاء

سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

 

الكاتب - طارق محمود نواب 


 

الحياة تقدم لنا غالباً مواقف تجبرنا فيها على تغيير وجهة نظرنا أو بعض آراءنا لتتناسب مع ما نتمناه أو ما يُفضله من حولنا. هذا الأمر يمكن أن يدفعنا لنحجب الحقائق التي نرفض الإعتراف بها، مما يؤدي إلى بناء صورة خارجية تختلف عما نشعر به في دواخلنا.

ففي كثير من الأوقات قد تحدث مواقف تجعلنا في تردد وحيرة للإختيار من بين طريقين كلاهما أصعب من الآخر، أما الحقيقة الصعبة أو الكذب البسيط أو ما قد يسميه البعض "الكذبة البيضاء". تتكرر تلك المواقف باستمرار أما مع من حولنا أو حتى مع أنفسنا. لكن في الحقيقة نحن نميل دائماً للخيار الأسهل.

فعلى سبيل المثال، قد يحدث موقف تكون فيه على خطأ... وعلى الرغم من أنك على يقين من ذلك، إلا أنك تخفي مشاعرك الحقيقية وكبريائك خلف ستار من المبررات الكاذبة التي ترويها مراراً وتكراراً وتعيد تشكيلها وتلوينها بطرق عدة حتى تسكن ضميرك وتقنع ذاتك بأنك ليس على خطأ. لكن ستمر الأيام وتتوالى والمواقف واحدة والأشخاص واحدة وسيظل الخطأ خطأ مهما حاولت تعديل هيئته ومهما حاولت تسكين ضميرك وإسكاته، ورغم الراحة المؤقتة التي كنت تجلبها لنفسك بالكذب، سينتابك دائماً شعور بالثقل الداخلي، وعندما تحاول التعبير عن مشاعرك الحقيقية لن تقوى على ذلك، لأنك قمت بتكذيب مشاعرك من قبل وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أن هناك دافعاً أعمق من مجرد الهروب من العقاب، ذلك الدافع هو الهروب من الفطرة الإنسانية، وإسكات القلق الداخلي الذي يحرم صاحبه من الإستقرار والطمأنينة.

إن مواجهة الحقائق الداخلية والنظر في صندوقك الداخلي بكل صراحة يمكن أن يكون مؤلماً، لكنه ضروري للنمو الشخصي والإرتقاء بذاتنا وذلك الصندوق الذي يكون في أبهى صوره مُحاط بالزينة والزخارف "بفضل الكذب البسيط طبعاً" وبداخله يحوي أبشع الأحداث والمواقف... أسود اللون يشبه في سواده ظلام الليل الدامس الذي يصيبك بالكآبة والخوف بمجرد رؤيته.

لكن هل هذا السلوك مجدي؟ هل بالفعل يُفيدك إغلاق صندوقك وتركه مزخرفاً من الخارج وجعل ما داخله على حاله الذي لا يتغير؟ بالطبع لا، فذلك لا يغير من الواقع الموضوعي شيء، ولا يقلب الباطل حقاً، ويظل البحث الدقيق والتفكير العميق كفيلاً بأن يعري الإنسان أمام نفسه ويكشف لها الحقائق بكل وضوح، فالإنسان الذي لا يطيق أن يعيش حياة يتخللها تأنيب الضمير ويحاول بكل جهده أن يتهرب دائماً من مواجهة نفسه بالحقيقة، سيبتعد عن الخلوة ويسعى إلى إشغال وقته دائما حتى يُسكت الأصوات النابعة من داخله.

فالتصدي للحقائق الداخلية والتفكير العميق فيما نشعر به ونفكر فيه قد يكون أمراً مؤلماً في البداية، لكنه ضروري للنمو الشخصي والتطور. وفتحك لصندوقك الداخلي ومواجهة الحقائق بكل شجاعة يساعدك على فهم نفسك بشكل أفضل ويمهد الطريق للشفافية والتقبل الذاتي.

والكذب، بأي شكل من الأشكال، ومهما طال فما هو إلا دوامة تجعلنا نعيش في خليط من الخداع والضياع النفسي. فإذا أردنا النمو والتقدم، علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا أولاً، وأن نبحث عن الحقيقة حتى وإن كانت الخيار الأصعب، فذلك هو الطريق الوحيد نحو السلام الداخلي والنمو الحقيقي .

فالكذب مهما طال ومهما كنا نفكر أننا نتحكم فيه سيبقى مجرد حبل يضيق علينا ونجد أنفسنا في صراع دائم بين الحقيقة والكذب وستحاول حينها البقاء في مأمن من العواقب، ولكن الأمر سيصبح أكثر صعوبة مع مرور الوقت. فالكذب مجرد حبل يربطنا بالزيف ويمنعنا من التقدم والنمو، والوحيد الذي يمكنه تحريرنا من تلك الدوامة هو أن نكون صادقين مع أنفسنا.

 

 


ابراهيم الحكمي ابراهيم الحكمي
مدير الدعم الفني

0  128 0

الكلمات الدلالية

آخر المعجبين بالخبر

التعليقات


اكتب تعليقك هنا

اخبار مشابهة

اخبار مقترحة