روح الغي

سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

 

الكاتب - طارق محمود نواب


 

حالة التشويش العقلي تعد من أخطر الظواهر التي تهدد قوة واستقرار العقل، حيث تصيب الفرد بعدم القدرة على التركيز والتفكير الواضح، مما يجعله يرى العالم من حوله بتشوش واضطراب، حيث يصبح كل ما يدور حوله كالصورة المعكوسة في المرآة، فيرى عكس المقصود أو غير المقصود، وتصبح حياته مجرد تشويه للحقائق واختلال للواقع.

ومن هنا نفهم الصراعات، والمشاكل التي تحدث بين حتى أقرب الأحباء؛ إنها "روح الغى" تلك الروح التي تتغلغل في العلاقات الإنسانية كالسم الذي يتسلل إلى الجسد، مُلوثًا كل شيء في طريقه... تلك الروح التي تحجب نور الأمل، حيث تتربع على عرش الشك والشبهات فتتبدد الثقة ويتلاشى الود وتتشتت العلاقات بين الأحباء... وتلك هي التشوش العقلي الذي يظهر وتظهر معه كل مشاكل الحياة... وكذلك هي تلك الروح التي تسيطر عليك متمثلة في تشوش عقلك وصعوبة تفكيرك،

وفي علم النفس نحن نعلم أن العقل يستقبل ما "يحب" أن يسمعه وليس له علاقة بما يُقال فعلاً!! فهو يتلقى الإشارات والمعلومات من البيئة المحيطة به، ولكنها تُصفَّى وتُصَفَّى عبر مرشحات الإعتقادات والتوقعات الشخصية، مما يجعله يستجيب بطريقة معينة تناسب معتقداته وتوجهاته العقلية.

فالعقل يحور الكلام حسب هواه ليعطيه معانٍ غير موجودة، فيُضلّ الفهم ويُشوش النظرة، وتظل التفسيرات تتشكل وفقاً لرغباته وانحيازاته، مما يُدمِّر الثقة بين صاحبه وبين الآخرين ويخلق جدراناً من الفهم الخاطئ والتواصل المشوش،

وفي كثير من الأحيان نتعجب كيف يفهم الناس الكلام الحلو على أنه اهانة، وكلام المدح على أنه ذم، والصراحة على أنها وقاحة، والكلام حسن النية على إنه سوء نية!! ونحن لا نفهم أن كل ذلك من صنيع العقل ذاته، ويمكننا أن نقول إنه مقصود، وبالطبع كل هذه الاعتقادات المغلوطة تنعكس على نفسية الأفراد وتؤثر سلباً على علاقاتهم الاجتماعية وتفاهمهم المتبادل.

ففي زمن تغلغلت فيه الشكوك وعدم الثقة، يصعب على الناس تقبل الكلمات كما هي دون تحويل أو تحوير والدخول في نية المتحدث، حيث يرى البعض التصريح بالحقيقة كوسيلة للإنتقام، والثناء كوسيلة لإخفاء الحقيقة، والإحترام كوسيلة للتستر على الإستهزاء.

أما على المستوى الروحي، فقد وصف الحكماء ذلك على إنه الطاقة السلبية التي تنبعث من داخل الإنسان وتؤثر على حياته الروحية وعلى علاقاته مع الآخرين ومع العالم من حوله. إن "التشوش" أو ما نسميها "روح الغي" تعبر عن الشعور بالقلق والخوف والتشكيك، وتعطي للحياة طابعاً مظلماً وغير مستقر.

وإن لتأثير ذلك على المستوى الروحي لكبير إلى حد يصل إلى التدمير، حيث تحجب النور والأمل وتغمر القلب بالظلام، مما يجعل الفرد يشعر بالعزلة والضياع والفشل. ومن خلال هذه الحالة الروحية السلبية، يتعذر على الإنسان تحقيق التوازن الداخلي والسلام النفسي، مما يؤثر بشكل سلبي على جودة حياته وعلى علاقاته مع الآخرين.

والآن هل علمت مصدر أغلب المشاكل بينك وبين أقرب الناس؟ إنه ذلك التفكير المشوشة أو ما يُطلق عليها "روح الغي" التي تتملكك وتشرخ أواصر المحبة والتواصل الصادق... وهي تلك التي تتسلل إلى القلوب، وتُحول التعامل بينهم من الاحترام والتفاهم إلى التوتر والصراع.

فكل ما تحتاجه الآن لتبتعد عن ذلك التشوش الذي يسيطر عليك هو الحب والاتضاع والحكمة التي تساعدك على مواجهة عدو الخير، الذي يقع بينك وبين كل قريب. فالحب هو القوة التي تمكنك من التغلب على الكراهية والغضب، وهو الذي يساعدك على بناء جسور من الفهم والتسامح. ومن خلال الاتضاع، يمكنك أن تفتح قلبك وعقلك لاستقبال الآخرين بكل ود واحترام، دون تحامل أو استعلاء، ومن خلال ذلك، تجد السلام والسكينة التي تحتاجها للتغلب على مسار عقلك، وتعيد بناء روحك وقلبك بصفاء ونقاء. ومن خلال الحكمة، تمتلك القوة اللازمة لفهم الوضع بشكل أعمق، واتخاذ القرارات الصائبة التي تعزز السلام والتفاهم بداخلك.

 

 

 


ابراهيم الحكمي ابراهيم الحكمي
مدير الدعم الفني

0  150 0

الكلمات الدلالية

آخر المعجبين بالخبر

التعليقات


اكتب تعليقك هنا

اخبار مشابهة

اخبار مقترحة