(التنغيز)..

سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

 

الكاتب - طارق محمود نواب 


 

التنغيز مجرد استفزازات متقطعة تأتي من الحياة ومن الناس كقطرات المطر الثقيلة على الزجاج، لا تسقطنا بل تأكلنا حتى النخاع، هذه هي جوهرية التنغيز مثلها مثل الريح العاتية التي تعصف بأفكار الإنسان وتحاول تقليبها، فهو تحدي صارخ لقوة الإرادة والصمود في مواجهة الصعاب، وإنها على صغرها هذه إلا أنها معركة بين الإنسان ونفسه ، وبين قوى المثابرة والوهم اللذان يتصارعان في داخل كل إنسان.

وبين لحظة وأخرى، حيث تأتي تلك "التنغيزات" التي تبث الإستفزازات الصغيرة في قلوبنا، والتي لا تأتي كضربة واحدة حتى تُسقطنا، وإنما تاتي كصراع متواصل يبث الشك والتردد... إنها ضربات صغيرة متتالية وفي كل ضربة تتأكل أجزاء صغيرة بداخلك. 

ففي كل ركلة صغيرة من الحياة ومِن مَن حولنا تبدو بلا أهمية، لكنها تتراكم وتتراكم حتى تصبح كالسحابة السوداء تغطي سماء عقولنا. فهي ليست مجرد لحظة في حياتنا، بل هي سلسلة من الصراعات الصامتة التي تأمل إيجاد نقطة تبدأ فيها بأكلنا.

والتنغيز أمثاله كثيرة، سواء كان سخرية من حولك على موقف مررت به، أو كلمتين يرددونها على اذنك يعيدون فيها اوجاعك ويجعلونها تتكرر كأنها شريط يمر بعقلك، أو رسالة على أحد مواقع التواصل بها تجريح لقلبك ، أو حتى تجاهل متعمد لك ولمشاعرك يجعلك في دوامة من الأسئلة التي تتجول داخل عقلك ذهاباً وإياباً ولا تتوقف عند حد معين، أو نظرة مهينة تقلل من شأنك على الأقل أمام نفسك، أو مجرد نقل كلام بشكل متعب، أو صوت غاضب و عصبي يحدثك وأنت غير قادر على إيقاف ذلك أو الرد عليه، أو حتى عدم الرد على الموبايل أكثر من مرة وقت حاجتك.

وعلى الرغم من كثرة الأمثلة إلا أن الفيصل هنا أنها صغيرة..... صغيرة إلى حد يجعلنا نظن أنها دون تأثير لكنها أكثر ما يؤثر علينا علاوة على أنها تنقش بصمتها على أرواحنا. فتلك اللحظات التي يتراكم فيها تلك القلائل، هي التي تحوّل أفكارنا ومشاعرنا إلى مجرد أنقاض تطفو على بحر من الإستفزازات والتحديات الصغيرة وتلك الصراعات الداخلية تتغلغل في كياننا وتُبث الشك والتردد في ذاتنا، مما يؤثر على صلابتنا وثقتنا بأنفسنا.

وهي أيضاً كفيلة أن تقلب حياتنا رأساً على عقب، فهي كالأشواك الصغيرة المتناثرة في الطريق والتي تجعل سيرنا أليماً ومتعباً وقد تتجاوز هذه التنغيزات الصغيرة حاجز التفاهة لتؤثر في تفكيرنا وسلوكنا، وتستهلك طاقتنا العقلية والعاطفية. فهي تجرح أجزاء صغيرة من وجودنا، وتُصبِح أطيافاً جائعة تمتص منا الحماسة والتفاؤل.

ومع مرور الوقت، قد نجد أنفسنا محاصرين في شباك لا تنكشف بسهولة، وتؤدي هذه الإستفزازات المتقطعة إلى تآكل ثقتنا وإشعال الشك في قدرتنا. وفي ظل هذه الحالة، قد يكون من الصعب علينا الخروج من دوامة الأسئلة والتردد التي تستولي على أفكارنا.

والنتيجة في النهاية جرح في كل جزء في نفسيتك، و افكار و حيرة و إجهاد نفسي عصبي و بدني كبير، و اعتلال مزاج يجعل "كلك" منهك و موجوع و مشتت مليء بالتشوهات النفسية.

لذا، هناك حاجة للوعي والتركيز على قوتنا الداخلية، والإبتعاد عن كل مسبب لتلك الصغائر القادرة على إنهاكنا والحدّ من قدرتنا على التحليق والتفوق التي تجعلنا قادرين على بناء المرونة العقلية. ففقط من خلال التعامل الإيجابي مع هذه التحديات الصغيرة يمكننا استعادة السيطرة على حياتنا وتحقيق التنمية الشخصية.

فالتنغيز ليس سوى اختبار يمنحنا الفرصة للتألق والتغلب على أنفسنا، ليس فقط للوقوف أمام هذه التحديات الصغيرة ولكن أيضاً لتجاوزها والنهوض بها.

 

 

 


ابراهيم الحكمي ابراهيم الحكمي
مدير الدعم الفني

0  152 0

الكلمات الدلالية

آخر المعجبين بالخبر

التعليقات


اكتب تعليقك هنا

اخبار مشابهة

اخبار مقترحة