(سلسلة أسئلة وإجابات
حول الأمراض النفسية وتأثيراتها على الصحة الجسدية ، الجزء الثالث)
-ضيفة السلسلة الدكتورة غفران العبيدي اخصائية الطب النفسي وطب الإدمان.
(الجزء الثالث )
يسرنا أن نستضيف الدكتورة غفران العبيدي
معنا اليوم لنكمل حوارنا حول الصحة النفسية
بسم الله نبدأ
س٥ / دكتورة عفران اقترحي لنا تمارين تساعد الشخص على التغيير من حالته النفسية؟
-الصحة النفسية لا تعني فقط غياب المرض و إنما هي حالة عامة من الرفاه النفسي و الإنتاج الوظيفي و الإجتماعي و العاطفي.
- أبرز نصائحي للحفاظ على الصحة النفسية و تحسينها تشمل النقاط التالية :
١- تحسين نمط النوم من خلال عادات النوم الصحية كالالتزام بوقت ثابت للنوم و الاستيقاظ لا يتغير بين ايام العطل و ايام العمل و النوم المبكر قبل منتصف الليل و الاستيقاظ المبكر و امتلاك روتين ثابت قبل النوم و جعل مواعيد النوم أولوية في الحياة و تجنب السهر و الحرمان من النوم .
٢- ممارسة الإمتنان و شكر النعم ، تذكر النعم الواسعة و الأشياء الإيجابية في حياتنا بشكل يومي و تدوينها في مفكرة صغيرة تكون ملجأ لنا تذكرنا بجمال الحياة حين تظلم الدنيا في طريقنا ، كذلك تطوير عادة الإنتباه للايجابيات في أي تفصيلة بسيطة من يومنا و التحدث عنها و شكرها و تقنين عادة التذمر و انتقاد السلبيات إلى أدنى حد.
-التعود على التذمر و النقد السلبي يزرع صورة سلبية متشائمة عن حياتنا ، والناس من حولنا و حتى عن صورتنا الذاتية و يقودنا للاكتئاب و مختلف الإضطرابات النفسية.
٣- الالتزام بنمط صحي للحياة من خلال تناول الأطعمة الصحية و ممارسة الرياضة بإنتظام و الإنشغال بالعمل و ممارسة الهوايات الإبداعية و العمل على توسيع دائرة العلاقات الشخصية باستمرار و تجنب كل من الكسل و العزلة و الأطعمة الضارة .
٤- الإبتعاد عن مصادر التوتر و السلبية كبرامج التلفزيون من اخبار و مسلسلات و أغاني حزينة ذات محتوى مليء بالهموم و الشكوى ويصور العالم على أنه مكان مليء بالخونة و الغدارين و لايمكن النجاة منه و يزرع فكرة العالم غير الآمن و الواقع السوداوي في العقل الباطن فيقودنا للقلق أو الاكتئاب.
-كذلك تجنب الاصدقاء كثيري التذمر و التشكي و تقنين محادثات النميمة و الغيبة و تتبع اخبار الناس و المشاهير في السوشيال ميديا التي تورث الهم
{ من راقب الناس مات هما} .
-كذلك تجنب العاب الفيديو ذات الطبيعة التنافسية العالية من حيث ارتباطها بالخسارة و الربح و عامل الوقت كالعاب القتال و غيرها التي تدخل الانسان في ظرف توتر افتراضي يخلق اضطرابا في هرمونات القلق و الجهاز العصبي السمبثاوي كما لو كان الإنسان في ظرف حقيقي مهدد للحياة ، و الترفيه عن النفس إما بالهوايات كالرسم و الموسيقى و القراءة أو العاب الإسترخاء التي تُشغل الوقت بدون قلق الفوز و الخسارة و الحياة و الموت .
٥- تعلم ممارسة تمارين التأمل ، الإسترخاء التنفسي ، اليقظة الذهنية و العيش في اللحظة الحالية التي تعتبر مفتاحا اساسيا لمحاربة التفكير المفرط و اجترار ذكريات الماضي .
٦- حب الذات ،
إن لنفسك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقا ، لا تنسى حصة نفسك من اهتمامك و وقتك و عنايتك ، خصص وقتا ضمن جدولك المزدحم للعناية بنفسك و الطبطبة عليها، الحديث الإيجابي مع الذات و تقدير مواطن القوة فيها بدلا من نقدها و جلدها ، ممارسة الهوايات و الفعاليات التي تحبها ، عدم ضغطها باشياء والتزامات لا تحبها فقط سعيا لإرضاء الآخرين ، مكافئة النفس و تقديم الهدايا لها كما تكافئ الآخرين من حولك و تهديهم ، سواءا بالتقدير اللفظي و التشجيع أو الهدايا الثمينة .
-و لا تتوهم أن حب الذات و تقديرها أنانية على حساب الأسرة و المجتمع ،
فأحتفاظك بصحتك النفسية و اعتزازك بذاتك سيرفع من انتاجيتك و فعاليتك تجاه أسرتك و مجتمعك ، الإنسان المتعب نفسيا يعكس ذلك على من حوله و لا يمكنه العطاء بفعالية .
٧- و اخر نصيحة هي لا تخجل من التعبير عن مشاعرك و طلب المساعدة في تخطيها .
-النفس عضو مثلها مثل باقي اعضاء الجسم كالقلب و الكبد و هي تتعب و تمرض احيانا و تحتاج إلى العلاج و المساعدة مثلهم ، المرض النفسي ليس ضعفا و لا شيئا نادرا حيث تقدر الدراسات أن من بين كل خمس اشخاص في العالم هناك شخص واحد على الأقل يعاني اضطرابا نفسيا.
س٦ / ما رأيك كطبيبة نفسية بالتشافي الذاتي من الأمراض النفسية؟
-خلق الله المخلوقات جميعا ولا سيما البشر بقوة تشافي ذاتي و هي التي حفظت البشرية من الإنقراض في العصور التي سبقت التقدم الطبي ، و في داخل جسمنا طبيب خاص يتابع المتغيرات باستمرار و يتدخل و يعدل حسب ما تقتضي الحاجة .
-فعند وجود جسم مكروبي غريب داخل الإنسان يتفاعل الطبيب الذاتي برفع الحرارة لقتل هذه الأجسام الغريبة و عند وجود مادة سامة في جوفنا يتفاعل هذا الطبيب بتحفيز التقيؤ و الإسهال لطرد هذا السموم خارجا.
- و حينما يلم الخطر بنا يتفاعل الجسم بتفعيل ردود الفعل الإنفعالية من شد العضلات و تسارع القلب والتنفس لضخ كميات أكبر من الدم محملة بالأوكسجين لعضلات الإنسان ليتمكن من مجابهة هذا الخطر أو الهروب منه ، كذلك الأمر في الاضطرابات النفسية ، فحين يفقد الاشخاص شيئا مهما لهم أو يتعرضون لصدمة كبيرة يتفاعل الطبيب الداخلي بتشغيل الرغبة في البكاء لتفريغ طاقة الصدمة و تظهر مظاهر الحزن لتقودنا للإنطواء لبعض الوقت للسكون و الراحة بعد الصدمة و التفكير في كيفية التعامل مع الأزمة الجديدة وتفريغ المشاعر المتراكمة قبل استقبال المزيد من المشاعر .
-كما تقودنا مشاعر القلق المزعجة لتجنب الأخطار ، لكن امكانيات الطبيب الداخلي محدودة و كما قد يخفق احيانا في مواجهة الجروح الضخمة أو العدوى الشديدة وتكون رد افعاله غير متناسبة مع حجم الضرر فتصبح هذه الأليات مصدر ضرر إضافي للجسم بدلا من نفعه .
-كذلك احيانا لا يتمكن التشافي الذاتي لوحده من التعامل مع المشاعر و الأزمات الضخمة أو قد تصبح آلياته سببا في الاستمرار بالمرض ، فتصبح العزلة سببا في تفاقم الحزن والاكتئاب بدلا من وسيلة للتعامل مع المشاعر بهدوء ، وحين يكون الضرر كبيرا يُصاب الطبيب الداخلي بالإعياء و تُستنزف اليات التشافي الذاتي ويدرك أنه لا فائدة من المقاومة ليفعل بعدها الجسم آلية الموت والتدمير الذاتي لايقاف المعاناة ، وهذه نفس الألية التي تقود مريض الاكتئاب في النهاية إلى الرغبة بالانتحار و فقدان غريزة البقاء و فطرة التمسك بالحياة عندما تنهار آليات التشافي الذاتي .
-فالتشافي الذاتي لا يلغي الحاجة إلى طلب المساعدة الطبية و النفسية ، بل يقوم عمل الطب بالأساس على تحفيز التشافي الذاتي و توجيه آلياته بشكل صحيح و تقديم المساعدة له للتخلص من المرض .
-فمثلا تضميد الجرح و الضغط عليه سيكون أكثر جدوى وأسرع عملا في التعامل مع النزيف من ترك الجسم لوحده يكافح لإيقاف النزف و ملأ الاوعية الدموية المقطوعة بالخثرة ، فكل شفاء بالأساس هو شفاء ذاتي لكن التدخل الطبي ضروري ليعمل على تهذيبه و مساعدته .
-أي أنه يمكن للتشافي الذاتي أن يساعدنا على تجاوز الازمات النفسية البسيطة الشدة ، لكن ترك الجسم لفترة طويلة يكافح وحيدا مع المرض كما ذكرنا ينبئ بفشل التشافي الذاتي و بداية استنزاف قدراته و بالتالي وضع الجسم في وضع أسوأ وأضعف مما كان عليه في بداية الأزمة ، فهو الآن لم يعد مريضا و حسب و إنما أصبح الجسم مريضا و مُرهقا و مُستهلك الامكانيات و فاقدا الأمل في الشفاء .
س٧ / اعطنا مثال لمرض نفسي يمكن التشافي منه ذاتيا ؟ .
-يمكن للتشافي الذاتي أن يساعد في معظم الاضطرابات الانفعالية كالاكتئاب و القلق ، لكن كما اسلفت يجب أن تكون بسيطة الشدة .
-و أن يمتلك الشخص الرغبة و الإصرار في التغيير من عاداته و افكاره و سلوكياته التي تبقيه عالقا في دوامة المرض و ان يبادر بالقيام بالتغييرات فعلا ، أما في الحالات المتوسطة إلى الشديدة فلا يكفي الشفاء الذاتي وحده ، كذلك إذا لم يتحلى الشخص بالشعور بالمسؤولية عن افكاره و مشاعره و لم يصغِ للرسائل التي يحاول جسده ايصالها له فلا يمكن للتشافي الذاتي أن يفعل شيئا .
-ولنكن اكثر وضوحا فإن حدوث المرض النفسي و لا سيما إن استمر لفترة طويلة أو تكرر فهذا يشير إلى خلل اساسي في اليات جسم الشخص للتعامل مع الظروف الضاغطة والمشاعر المزعجة تجعله يسقط فريسة المرض في كل مطب و عرضة للمرض النفسي أكثر من غيره الذين قد يمروا بنفس الظروف دون أن يمرضوا .
-لذلك دعونا لا نعول الكثير على التشافي الذاتي لوحده و نسارع في طلب الدعم من مختص نفسي .
-نلقاكم الاسبوع المقبل لنكمل الجزء الرابع والأخير من حوارنا مع الدكتورة غفران العبيدي
-ضيفة حوار السلسلة :
الدكتورة غفران علي العبيدي .
-إعداد وكتابة اسئلة الحوار الكاتبة:
هويدا الشوا