هل نحن حقاً في عصر التطور الإعلامي؟!
للوهلة الأولى و عندما تقرأ هذا السؤال سيتبادر إلى ذهنك جوابان... الأول هو بالتأكيد نحن في عصر تطور فيه الإعلام و قفز قفزات نوعية هائلة و كبيرة جداً ، و القول الثاني الذي سيتبادر إلى تفكيرك مسرعاً... ما هذا السؤال الساذج !
حسناً ! الإجابة بالفعل تعتمد عليك... كيف تفكر و من أي منظور ترى الأمور... ثم تعتمد على شجاعتك في الإعتراف بأن جوابك الأولي ربما يكون خاطئ... لست أقول هنا أن الإعلام لم يتطور... لكن لنبحث قليلاً في كلمة "تطور"بحد ذاتها !
إذا أخذنا معنى مفهوم التطور و درسناه ، سيتضح لنا أنه يعني حالة من التغير نحو الأمام ، أي أن الشيء الذي خضع للتطور مهما كان لم يبق على حاله كما في السابق ، بل تغير و تطور و أصبح ربما أكثر تعقيداً أو أكثر بساطة و سهولة ، من هذا المنطلق فالجواب على السؤال هو بالتأكيد "نعم" لأن الإعلام تطور اليوم في شكله المعاصر مقارنة بالسابق ، وأيما تطور هذا ! اليوم يستطيع المراسلون تغطية الأحداث في قطب الكوكب الشمالي و نقلها إلى خط الاستواء ، خلال أجزاء من الثانية ، و أصبحت اليوم المعلومات والأخبار تسافر بسرعة الضوء –أو بسرعة ألياف الانترنت الضوئية- و تطورت أجهزة الإعلام و الوسائل التي يتخذها الإعلاميون لتغطية الأخبار والحقائق ، لا أحد يستطيع أن ينكر ذلك حقيقةً ، لكن لنحاول أن نرى مفهوم التطور بصيغة أعمق وأدق... فإذا قلنا أن التطور مرتبط بالتحسن أو الإيجابية، هل فعلاً إعلام كوكب الأرض اليوم اكثر إيجابية و يستخدم الحداثة و التقنيات المعقدة في تصنيعها و السهلة في استخدامها كما يجب؟
للإجابة عن هذا السؤال ، لنحاول الإجابة عن الأسئلة التالية : هل إعلامنا اليوم يضع حداً للحروب بين الدول؟هل حلت مشاكل اللاجئين و لنقل على مستوى وطننا العربي فقط ، هل توقف الفقر و المجاعة بعد الحملات الإعلامية الهائلة التي أطلقتها وسائل الإعلام؟هل حلت مشاكل الكوكب بعد أن سلط الضوء عليها من قبل الإعلاميين و مشغليهم؟
أم العكس؟للأسف نرى اليوم ان الكثير من الحروب و النزاعات الدولية أو المحلية بدأت نتيجة ضخ إعلامي هائل حرك الرأي العام نحو الثورة مثلاً أو أعمال العنف ، و ترك البلدان فريسة لضعاف العقول فيها ، لخدمة اجندة هذه الدولة أو تلك ، من الممكن هنا أننا نتحدث عن موضوع كبير يخص ألعاب الكبار و المسيطرين ، أمر لا يسعنا تغييره ، لكن الطامة الكبرى و المصيبة العظمى برأيي هم من أود تسميتهم بالمتطفلين ، الدخلاء على مهنة الإعلام الحساسة و السامية و النبيلة ، الذين ينقلون الأخبار و الروايات و الشائعات دونما حسيب أو رقيب ، و يبثون الكذب و الأخطاء في عقول من يتابعهم ، و يا للمصيبة التي تتعلق بمن يتابعهم! متابعوا هؤلاء أضعاف أضعاف متابعي الإعلاميين الحقيقيين المؤهلين اكاديمياً و علمياً و اخلاقياً!
و مشكلتنا الثابتة القديمة الجديدة هي وسائل التواصل الاجتماعي! و لو بقينا نتحدث أسابيع و أشهر و سنوات عن الأضرار التي احدثتها هذه الطفرة التقنية و الإعلامية لما انتهينا... تربة غنية و مرتع خصب للمتطفلين،تمكنهم من إصدار الشائعات و الأخبار المزيفة و نشرها بين الناس كما تنتشر النار في الهشيم،ليس هذا و حسب بل تصبح هذه الشائعة "ترند"و قضية رأي عام،و هي لا تمت للحقيقة و الصحة بصلة!
للأسف فإن وسائل التواصل الاجتماعي و المتشبهين بالإعلاميين فيها يشكلون شبكة عنكبوتية واسعة و ضخمة لا يعرف لها رأس من قدم،و ليس هناك حل لها.
للإجابة على سؤالنا... نعم الإعلام تطور... بل و بشكل هائل و كبير و سريع جداً،لكن ليس كما يجب... تطورت وسائله و تقنياته و اجهزته و سرعته و سهولته ، لكن تراجعت مصداقيته و موثوقيته و دوره الفعال و البناء في المجتمع،و ما فائدة السرعة إذا كانت تنشر الخطأ و الضرر ؟
الكاتب : بندر محمود نواب
عضو صحيفة شبكة نادي الصحافة
عضو جمعية هيئة الصحفيين السعوديين
عضو جمعية إعلاميون