السبت, 10 مايو 2025 08:12 مساءً 0 611 0
عاملوا الناس بما يُظهرونه لكم: حكمة عمرية في فن التعامل مع البشر
عاملوا الناس بما يُظهرونه لكم: حكمة عمرية في فن التعامل مع البشر

عاملوا الناس بما يُظهرونه لكم: حكمة عمرية في فن التعامل مع البشر

 

بقلم / آمنة إبراهيم عثمان أحمد

 

في خضم التفاعلات الإنسانية التي تتسم بالتعقيد والغموض أحيانًا، يأتينا قول الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله- عنه ليضع قاعدة ذهبية في العلاقات الإجتماعية: "عاملوا الناس بما يُظهرونه لكم، والله يتولى سرائرهم."

إنها دعوة للعدل، والتجرد، والإحترام العميق لحدود المعرفة الإنسانية، وتذكير بعدم التورط في نوايا الأخرين أو محاكمتهم بناءً على الظنون.

 

فلسفة هذا القول: بين الظاهر والبواطن

 

يرتكز هذا القول على مبدأ قرآني راسخ: "ولا تقف ما ليس لك به علم" [الإسراء: 36]، إذ لا يحق للمرء أن يبني أحكامه على ما لا يظهر له من الناس. فالبشر لا يملكون مفاتيح القلوب، ولا يطّلعون على النوايا، وما يظهر من القول والفعل هو فقط ما يُحاسب عليه الفرد في الدنيا.

 

كان سيدنا  عمر، وهو أحد أعظم القادة والحكام في التاريخ الإسلامي، يعي أن إقامة العدل لا تكون بالتفتيش في الضمائر، بل بالتعامل مع الوقائع. وقد ترجم ذلك بقوله:

"من أظهر لنا خيرًا أمِنّاه، وقرّبناه، وليس لنا من سريرته شيء. الله يتولى سريرته."

فهو بذلك يرسّخ مبدأ التوازن بين التعامل الواقعي مع الناس وبين الإيمان بأن الحساب الحقيقي عند الله وحده.

 

أثر هذه القاعدة في المجتمع

 

تخيلوا لو أن المجتمعات الإسلامية التزمت بهذا المبدأ:

 

لا تجسس،

 

لا إساءة ظن،

 

لا إطلاق أحكام بناءً على هواجس أو إشاعات.

 

 

كم من العلاقات كانت ستُحمى؟

وكم من الأشخاص كانوا سيُحتَرمون لعدالتهم الظاهرة دون أن يُظلموا بظنون لا دليل عليها؟

 

التطبيق التربوي والنفسي

 

في عصر يعج بتحليلات النوايا، يُعدّ هذا القول علاجًا نفسيًا واجتماعيًا.

ففي علم النفس، يعد الحكم على نوايا الآخرين شكلًا من الإسقاط المعرفي الذي يولد سوء الظن والتوتر. بينما يُعد التركيز على السلوك الظاهر طريقة صحية في بناء العلاقات.

وفي التربية، يعلمنا هذا المبدأ أن نحترم أبناءنا والآخرين على أساس ما يظهرونه من التزام وأخلاق، دون تحميلهم وزر أفكار لم يعبّروا عنها.

 

أقوال أخرى لسيدن عمر تُثري المقال:

 

1. "رحم الله امرأ أهدى إليّ عيوبي."

دعوة لتقبل النقد الظاهر لا ما يُخبّأ في الصدور.

2. "إني لا أحمل حقدًا على أحد من خلق الله، لأن قلبي ليس بيدي."

اعتراف بحقيقة الإنسان وضرورة قبول محدوديته.

 

 

3. "لا تظن بكلمة خرجت من أخيك سوءًا، وأنت تجد لها في الخير محملًا."

تعزيز لمبدأ حسن الظن والتعامل بناءً على الظاهر.

 

 

4. "ليس العاقل من يعرف الخير من الشر، ولكن العاقل من يعرف خير الشرين."

تأكيد على أهمية التمييز العملي بين الخيارات المبنية على المعطيات الظاهرة.

 

خاتمة: بين عدل الإنسان وعدالة الله

 

يبقى قول سيدنا عمر بن الخطاب مرجعًا أخلاقيًا راقيًا. فالتعامل مع الناس بما يُظهرونه هو عدل الإنسان، أما كشف الخفايا فهو من اختصاص الله وحده. ومن حاول خلط المجالين أفسد نفسه وأفسد من حوله.

 

في زمن يعاني من التسرع في الحكم، تُصبح هذه القاعدة العمرية ليست مجرد حكمة قديمة، بل ضرورة إنسانية، ومقوّمًا أساسيًا لبناء الثقة والسلام في المجتمع.

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر
عاملوا الناس بما يُظهرونه لكم: حكمة عمرية في فن التعامل مع البشر

محرر المحتوى

جمعه الخياط
المدير العام
مدير الدعم الفني

شارك وارسل تعليق

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من إرسال تعليقك

آراء الكاتب