عقيدة العقول .

سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

عقيدة العقول .


العقل البشري، تلك الكائنات المعقدة والمدهشة، تمتلك قدرة مذهلة على التفكير والتحليل والإعتقاد. فكما أن لكل منا عقيدته وتفكيره الخاص به فللعقول أيضاً عقيدة، وعقيدة العقول هي الإتفاق أو التوافق في الإختيارات . فقليلا ما نجد العقول تتعامل بمبدأ التناقض أو الإعتقاد بالشيء ونقيضه.
فالعقول تتأقلم وتتجاوب بشكل طبيعي مع البيئة والمعلومات التي تتلقاها. وعادةً ما تميل إلى البحث عن التوافق بين الأفكار والمعلومات التي لا تتعارض مع بعضها البعض.
وعلى الرغم من أنه من الصعب أحياناً قبول التغيير أو التصديق بمفاهيم تتعارض مع ما نعتقده أو ما تعلمناه في الماضي، لكن في بعض الأحيان قد نضطر لذلك، وبالطبع يؤثر ذلك علينا بطرق مختلفة وقد يصيبنا بالحيرة والتردد الدائم لكن ما الذي يجبرنا على ذلك؟ ما الذي يجعلنا نستحضر أفكار مسبقة قد اختلفنا عليها من قبل ونجعلها مرتبط بحالتنا النفسية ومحيطنا الذي نتصل به أيا كان نوع هذا الإتصال، وما الذي يجبرنا الإستمرار في ذلك الشعور؟
مثله كمثل من يستحضر أفكار مسبقة من الماضي وقتما يشاء ومن ثم تؤثر عليه وعلى محيطه. فقد يكون السبب وراء هذه الظاهرة الغريبة يعود إلى طبيعة العقل البشري نفسه. فالعقل يعمل جاهداً على تكوين نماذج واضحة ومفهومة للعالم من حولنا، لكنه في بعض الأحيان يواجه تحديات في تناسق هذه النماذج، وذلك ما يجبره على قبول الشيء ونقيضه في محاولة منه للتوفيق بينهم واختيار ما يتوسطهم ظناً منه بأن ذلك هو الإختيار الأمثل.
وفي بعض الأوقات، قد يكون السبب هو رغبتنا في فهم العالم بشكل أسرع وأسهل، لذلك نلجأ إلى تكوين اعتقادات مسبقة تعمل كإطارات جاهزة لتفسير الأحداث والمواقف، وللأسف يتعارض ذلك مع الحاضر. وبالتأكيد هذا الأمر يسبب لنا شعوراً بالتناقض وعدم التوازن النفسي وحينها نكون مجبورين.
أو ربما ما يجبرنا على ذلك هو التمسك بالماضي والسعي باستمرار لمحي الأخطاء السابقة لذا نعيده ثانية على أمل اتخاذ سلوكاً مغايراً ونتفاجأ حينها بأننا قد ارتكبنا أكبر خطأ وهو تكرار الماضي وإضاعة الحاضر وحينها نصبح مجبورين على تقبل أخطاء الماضي واستيعابها برغم تناقضها مع الحاضر.
وبالإضافة إلى ذلك تجبرنا المصلحة أحياناً بتقبل الإعتقادات المتناقضة لتسيير حياتنا بشكلٍ أسهل وفعّال، فالتمسك بالأفكار السابقة والتي قد تتعارض مع الأفكار الحالية يعود في بعض الأحيان إلى مصلحة شخصية أو هدف محدد. قد يكون ذلك للحفاظ على مكانة اجتماعية معينة أو لضمان استمرار نجاح معين أو لتجنب المشاكل التي يمكن أن تنشأ من التغيير.
باختصار، هذه الظاهرة المعقدة للإعتقاد بالشيء ونقيضه تنبع من تداخل عوامل متعددة في طبيعة العقل البشري وتفاعله مع البيئة والظروف المحيطة. فالقدرة على تقبل الأفكار المتناقضة والتعامل معها بحكمة وفهم يمكن أن تساعدنا في التكيف مع التغير والنمو الشخصي في ظل تعقيدات العالم الذي نعيش فيه.
ورغم ذلك، فالأثر لا يمكن أن ينفصل عن المؤثر أو شخصه أو أسلوب حياته، ولذلك، فالأثر الناتج عن تقبل المتناقضات لا يقتصر فقط على العوامل الداخلية للفرد ولكنه مرتبط بشكل وثيق بالعوامل الخارجية التي يتفاعل معها في حياته اليومية. هذا التفاعل الدائم يسهم في بناء وتشكيل هويته ومفهومه للعالم والناس من حوله.
وفي النهاية، قد نضطر في كثير من الأحيان لاعتقاد الشيء ونقيضه بسبب عوامل مختلفة كالتي تحدثنا بها، لكن تذكر دائماً أن الأثر الذي نحمله وننقله ليس مجرد امتداد لما نفكر فيه ولا لآرائنا فحسب، بل هو عبارة عن مزيج معقد من تفاعلاتنا مع العالم وتجاربنا وعلاقاتنا. إننا نعكس هذا الأثر من خلال أفعالنا وقراراتنا اليومية، وهو ما يلقي بأثره على حياة الآخرين والعالم من حولنا.


الكاتب / طارق محمود نواب


غاليه الحربي غاليه الحربي
المدير العام

المالكة ومدير عام ورئيس تحرير صحيفة شبكة الصحافة للنشر الالكتروني - مدير عام المنابر التعليمية والتربوية بالشبكة

0  211 0

الكلمات الدلالية

آخر المعجبين بالخبر

التعليقات


اكتب تعليقك هنا

اخبار مشابهة

اخبار مقترحة