مصطفى "اينفاااال"

الكاتب / عائض الأحمد

تظنُّ لوهلة بأنك تعيش وحيدا تُقاسي معاناة وفقرا وكربا "أسوأ من حديث ووعود هذا السياسي" المرشَّح من "ثلته" يستمرئ الكذب علَّه يُقنعهم بنفاقه، بيئته الرَّثة تُفرزها تصرفاته وأفعاله، فتظهر دون ستار، وتنعكس على الأفراد، فيرسمونها سلوكَ حياة يتفق مع هكذا نظام، وهكذا فلسفة، تسلخ القيم وتثير الشفقة، وتقلب الرأى العام، بين شكوى مذلة واستجداء قانون حماية لأمثال هذه الحالات المنفلتة والمتكررة منها المشاهد بالعين المجردة لمن أرد، ومنها ما استتر واندثر تحت غطاء "بلاش فضايح".

وكأنَّ "مصطفى" يندب حظه العاثر، فلم يكن له ذنب ولم يقترف سيئة، هكذا وجد نفسه ملقى في شارع موحش ينام في أكوام "القمامة" بين المتسولين المشردين والمقهورين "أمثاله"، لفظته الأسرة خوفا من الفقر ومن نفقته، والده لا يملك من الأمر شيئا؛ فقد السيطرة على سلوكه المنحرف، وعاش توهان العقل وقسوة الإنسان، كلما حاول الطفل العودة لما كان يعتقده منزلا هدَّده بالقتل إن رآه مرة أخرى، وكأنه لم يقتله، كان أحد ضحايا العوز والفاقة، وبحاجة لمن يأخذ بيده كطفل لم يبلغ العاشرة، قضى أكثر من نصف عمره في الشوارع، إرادة الله فقط حفظته من أي انفلات أخلاقي، فلم يكن هذا خياره، وإنما ألقي في اليم وقيل له اعبر ببدنك، فالله خيرٌ حافظا ونعم النصير.
بين بؤس وأمل بغد أفضل، ساقه القدر إلى إحدى الدول الأوروبية التى لم تكن أفضل حالا مما كان يقاسيه من وحدة وشعور بالغربة، الفرق هو شعوره بإنسانيته، ولعل إتقانه للغة البلد الذي حلَّ به سهَّل عليه الكثير؛ فبدا يتلمَّس الطريق "ويشق بعصاه البحر"، فكان المترجم لكل من جاء زائرا وعلى وجوه الخصوص "المبتعثين" العرب حتى أصبح قريبا ومألوفا بينهم، ومن هنا بدأ حياته كوسيط حتى أنشأ شركته الخاصة، وأصبح له اسم يتنقل بجواز سفره الأوروبي، مُرحَّبًا به أينما حل وارتحل، ولكن تلك العثرة تُلازمه حتى الساعة، فالرجل لم يعش كأقرانه في سنه، ولم يُشعره أحد بلهفة الأسرة وأعيادها وأحزانها، نشأ هكذا دون أن يلتزم بشيء وحاله يقول: "نبتة شيطانية" زُرِعت في أرض صبخة، لن يرويها ماء ولن تتطهَّر مما علق بها، لم يكن يعلم أي عقيدة أو دين يهتدي به، يقول في إحدى زياراته الدينية: كُنت أنظر إلى الرجل الواقف أمامي وأكرر ما يقوم به، لم أكن أعلم أي دين أو ملة أو أخلاق يتَّبِع، نشأتُ في عالمي الخاص، لم يقل لي أحدهم يوما افعل هذا ودع ذاك، أنا الآن بدأت أعلم وأتعلم، الغريب أنَّ من كان يُهدِّدني بالقتل صغيرا أخذ يبحث عني الآن بعد أن علم بأنني أُدِير شركتي الخاصة، وكأنَّ المال هو أبي، والفقر والحاجة موطني، عندما كُنت بحاجته طفلا يرنو إلى أحضان والده ليمسح على رأسه ويقبله، ثم يسأله: ماذا فعلت اليوم يا "مصطفى اينفاااال"، وتعني في إحدى اللغات صاحب "الشطط".
---------------------

ومضة:
بعد الخمسين هُناك أشياء تموت وأخرى تحيَا.. أتمنى أن لا تكون أحدهما.
---------------------

يقول الأحمد:
لم تكُن الأولى.. هي الثانية، فحذارٍ أن تكون الثالثة فتُكتب ثابتة.

ويختم: مُسيلَمة العَصر هو من يسطو على أفكار الآخرين، ويسلبهم حقوقهم الفكرية.. ألا تخجل وأنت تنسب لنفسك حقا لا تملكه......... عجبي!