" الخطر الاقتصادي القادم "

سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

   " الخطر الاقتصادي القادم "

 

كتبت في عام 2018 عن نفس موضوع مقالتنا هذه ، والان اكرر كون انه لم يتخذ اي اجراء يتناسب مع هذا الوحش الذي سيطر بالفعل واصبحت له قواعده الراسخة في البلاد

إن المنطقة العربية مقبلة على العديد من التحديات خاصة في مجال  التجارة التقليدية ، فقد تصبح المحال التجارية شيء من الماضي لصالح التسوق الإلكتروني الذي يزداد حجمه يومًا بعد آخر، والذي اصبح الان في غاية الاهمية في ظل تقليص التحركات خارج المنزل لدى جميع افراد المجتمع بسبب وباء كورونا 
فبدلاً من أن يخرج الشخص للتسوق ما عليه سوى الجلوس أمام شاشة الحاسب  أو الهاتف واختيار المنتج الذي يريد ، ولذلك أكبر تحدي سيواجه المحلات التجارية هو كيفية التأقلم مع التسوق الإلكتروني كشكل جديد للتجارة مفروض على الجميع .

ولعل قيام شركة "أمازون" العملاقة بشراء موقع التجارة الإماراتي الشهير "سوق. كوم" بمبلغ قٌدر بـ650 مليون دولار ما هو إلا باب لدخول الشركة للأسواق العربية ، وهذا سيؤدي إلى امتصاص السيولة من الأسواق المحلية ، وإفلاس العديد من الشركات ما يُعني خسارة اقتصادية  كبيرة للمنطقة ، وفقدان العديد من الوظائف التي سيكون من الصعب تعويضها مستقبلا ، ومن جهة أخرى فإن  استحواذ أمازون على موقع "سوق .كوم " دليل على فكرة أن شركة  أمازون العملاقة لا تريد منافس لها في أي مكان ، بمعنى إعدام أي منافس محتمل من السوق   . 


إن التجارة الإلكترونية في العالم العربي أصبحت جزءً من الواقع، ولكنها ما زالت تتوحش، فمن منا لم يدخل على موقع “سوق. كوم" لشراء هاتف  أو أي شيء آخر ، فلك أن تعلم أن سوق التجارة الإلكترونية في المنطقة العربية يُقدر ب30 مليار دولار ، وحوالي 50 مليون مشتري  ، وبنمو سنوي يفوق الـ23% ، وبحسب تقرير صادر عن شركة بيفورت، المختصة في تقديم خدمات المدفوعات الإلكترونية في العالم العربي، فمن المتوقع أن تتزايد عمليات الدفع إلكترونيًا في المنطقة العربية لتصل إلى 69 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2020، الذي اصبحنا نحن فيه الآن بينما أظهرت دراسة أعدتها «مول فور ذا وورلد» المنصة الإلكترونية المتخصصة بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا ومنطقة البحر الكاريبي، فإن التسوق عبر الإنترنت قد يصل حجمه إلى 900 مليار دولار بحلول عام 2020. 


 ولك أن تتخيل حجم الخسائر التي تسببها شركة "أمازون" للاقتصاد الوطني ، إذا علمت أن صاحب محل التجزئة التقليدي يدفع إيجار، وفواتير الكهرباء والماء ، ورسوم بلدية ، خلاف رواتب موظفين ، والمتبقي له سيقوم بصرفه على المطاعم والمدارس والمستشفيات وخلافه ، وبالتالي تدور عجلة الاقتصاد ككل ، أما عن أمازون فماذا ستدفع من الرسوم التي سيدفعها التاجر التقليدي؟  ، وهل سيتبقى الربح الخاص بها داخل البلد أما انه سيذهب إلى الخارج  ؟ 


 إن مخاوفي من دخول شركة أمازون للمنطقة عبر ذراعها الإقليمي الجديد "سوق .كوم" ليست شيئًا مزعومًا ،  فلك أن تعلم أن أساليب أمازون الاحتكارية عبر عرضها لمنتجات بأسعار اقل من منافسيها أدى لإفلاس العديد من المولات التجارية  التي لها مئات الفروع وآلاف الموظفين  ، فبعض  التقارير تقول أن حصيلة عام 2017  من محلات التجزئة المغلقة وصلت إلى أكثر من 8000 متجر ، وبحلول عام 2023 من المنتظر أن تموت حوالي 50 في المئة من مراكز التسوق ، وخلال الاعوام الاخيرة تم إغلاق 12000 متجرا من متاجر التجزئة في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا فقط  ، ففروع بوردرز وراديو شاك كانت منشرة بين المدن وتعول ملايين البشر بين موظفين وموردين وسائقين ، لكنهم لم يتمكنوا من الصمود امام  شركة أمازون العملاقة ، آلاف الشركات خرجت من السوق ، ومع كل افلاس لأحدهم كانت ثروة جيف بيزوس مؤسس أمازون تزيد حتى اصبح أغنى رجل بالعالم بثروة تقدر ب١٣١ مليار دولار  أي أن  ثروته تماثل ميزانيات دول . 

 

الكارثة  الحقيقية هي لجوء أمازون الى رفع الأسعار بشكل جنوني بعد تدمير  منافسيها من المحلات التجارية والمولات وغيرها، وهو تكتيك صنع ثروة الملياردير الأمريكي روكرفيلر  ، حينها سيكون من الصعب منع أمازون من استغلال حاجة المستهلك والتربح الجشع ، فشركات الأدوية تفعلها يوميا وتضاعف اسعارها آلاف المرات بسبب احتكارها إنتاج مواد معينة من الدواء  ، والدليل على ذلك أن شركة أمازون لم تكتفي بكونها حلقة وصل بين البائع والمشتري ، بل أصبحت البائع  أيضًا ودخلت مجالات عدة كبيع الأغذية وغيرها ، والعديد من مورديها الزمتهم بعقود احتكارية تمنعهم من التوريد لغيرها ومنافستها ، وهكذا ستحتكر كل الاسواق وتتحكم بالأسعار وستستغل غياب المنافسين.


الاعتراض على العولمة في الاقتصاد لن يجدي نفعاً، وهذا الأمر واضح من خلال التجارب السابقة في العديد من المجالات لا داعي لذكرها الآن ، ولذلك على المتاجر التقليدية من الآن فصاعدًا أن تتكيف مع الشكل الجديد للتجارة الإلكترونية ، وأن تعمل على إنشاء بوابات الكترونية لتسويق منتجاتها ، ليس هذا فقط فعلى الدولة أن تضع آلية لفرض ضرائب على  شركة أمازون  عبر ذراعها  الإقليمي "سوق .كوم" ، وهذا الأمر طالب به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرًا حيث  كتب على تويتر : "عبرت عن مخاوفي تجاه أمازون قبل وقت طويل ، إنهم يدفعون القليل من الضرائب أو لا يدفعون ، كما أنهم السبب في توقف عمل الآلاف من بائعي التجزئة".


 وفي النهاية هناك ضرورة لحماية متاجر التجزئة التقليدية من الخطر الاقتصادي القادم  "أمازون" بشتى الطرق سواء كان بفرض المزيد من الضرائب عليها ، أو تقليل الرسوم الخاصة بالمحال التقليدية ، لأن افلاس "جرير" او  "بندة" على سبيل المثال ومانراه من تقفيل لفروع الشركات التي بناها اقتصاد البلاد قبل ملاكها ، لا يعني إلا تسريح موظفيها السعوديين في وقت يعاني الآلاف من البطالة ، وامام كل موظف يفقد عمله أسرة ستواجه الفقر والتشرد وستشكل عبء على الاقتصاد وسترفع نسبة الجريمة والطلاق والفساد ، فبطالة الفرد تؤثر سلبا على المجتمع ككل . 

 

 

الكاتب  : بروفيسور/ محمد احمد بصنوي


جمعه الخياط جمعه الخياط
المدير العام

مدير الدعم الفني

0  478 0

الكلمات الدلالية

آخر المعجبين بالخبر

التعليقات


اكتب تعليقك هنا

اخبار مشابهة

اخبار مقترحة